مــنــتــدى روژهـــ(RojHat)ــات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموت اقوى من الحب -- للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز - الجزء التاني

اذهب الى الأسفل

الموت اقوى من الحب -- للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز - الجزء التاني Empty الموت اقوى من الحب -- للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز - الجزء التاني

مُساهمة  azadooo السبت أكتوبر 11, 2008 5:02 pm

في الزاوية الأخيرة تلك، ومن خلال ألواح السياج، رأى نلسن فارينا وهو مستلق في أرجوحته، وقد بدا شاحباً وكئيباً، لكن ومع ذلك، حيّاه السيناتور دون أن يبدي له أية مشاعر بالمودّة.
"مرحباً، كيف حالك؟"
التفت نلسن فارينا من فوق أرجوحته ورمقه بنظرته المفعمة بالارتياب والغّل.
"أنا، كما تعرف"، قال.
خرجت ابنته إلى الباحة عندما سمعت التحية.
كانت ترتدي فستاناً هندياً رخيصاً من نوع غواجيرو، وكانت تزّين رأسها أقواس ملوّنة، وكانت قد دهنت وجهها بأصباغ لتقيه من أشعة الشمس. إلا أنه، حتى في وضعها السيئ ذاك، يستطيع المرء أن يتصور أنه لا توجد امرأة أخرى في جمالها على وجه البسيطة كلها. وقف السيناتور منقطع الأنفاس وقال بدهشة: "اللعنة. يفعل الله أكثر الأشياء جنوناً".
في تلك الليلة، جعل نلسن فارينا ابنته ترتدي أجمل ثيابها، وبعث بها إلى السيناتور. وطلب منها الحارسان المسلحان بالبنادق اللذان كانا يهزان رأسيهما من شدة الحرارة في البيت المستعار، أن تنتظر على الكرسي الوحيد في الردهة.
كان السيناتور يعقد في الغرفة المجاورة اجتماعاً مع أناس على قدر من الأهمية في روزال دل فالي، الذين كان قد جمعهم لينشد على مسامعهم الحقائق التي لم يكن قد ذكرها في خطابه، والذين كانوا يشبهون إلى درجة كبيرة جميع من كان يلتقي بهم في البلدات الصحراوية كلها. وكان قد بدأ يعتري السيناتور الملل ويشعر بالتعب من تلك الجلسات الليلية التي لم تكن تتوقف. كان قميصه مبللاً بالعرق، وكان يحاول أن يجففه على جسده من التيار الحار المنبعث من المروحة الكهربائية التي كانت تصدر طنيناً كطنين ذبابة الفرس في وسط الحرارة اللاهبة التي تغمر الغرفة.
قال: "بالطبع لا نستطيع أن نأكل طيوراً ورقية" ثم أضاف: "إنكم تعرفون، وأنا أعرف أن اليوم الذي ستنمو فيه الأشجار والأزهار في كومة روث العنزات هذه، وفي اليوم الذي سيحل سمك الشابل محل الديدان في برك الماء، عندها، لن يعود لكم، ولن يعود لي شيء هنا، هل تفهمون ما أقوله لكم؟"
لم يحر أحد جواباً. وفيما كان السيناتور يتكلم، مزّق صفحة من التقويم، وشكّل منها بيديه فراشة ورقية، ثم ألقاها نحو تيار الهواء المنبعث من المروحة، فراحت الفراشة تتطاير حول الغرفة، ثم خرجت وانسلت عبر شق الباب الموارب. وتابع السيناتور كلامه، بعد أن تمالك نفسه، يساعده في ذلك الموت المتواطئ معه.
وأضاف: "لذلك، لا يتعين عليّ أن أكرّر على أسماعكم ما تعرفونه جيداً: بأن انتخابي مرة أخرى هو لمصلحتكم أنتم أكثر مما هو لمصلحتي أنا، لأني سئمت المياه الراكدة وعرق الهنود، في الوقت الذي تكسبون فيه أنتم، أيها الناس، رزقكم منه".
رأت لورا فارينا الفراشة الورقية وهي تنسرب من باب الغرفة. رأتها فقط لأن الحارسين في البهو كانا يغطان في النوم وهما جالسين على الدرج، يعانق كل منهما بندقيته. وبعد أن دارت عدة دورات، انفتحت الفراشة المثنية بكاملها، وارتطمت بالحائط، والتصقت به. حاولت لورا فارينا أن تقتلعها بأظافرها. إلا أن أحد الحارسين، الذي استيقظ على صوت تصفيق منبعث من الغرفة المجاورة، لاحظ محاولتها العقيمة.
"لا يمكنك اقتلاعها"، قال بفتور، "إنها مرسومة على الحائط". عادت لورا فارينا وجلست عندما بدأ الرجال يخرجون من الاجتماع. وقف السيناتور عند مدخل الغرفة ويده على المزلاج. ولم يلحظ لورا فارينا إلا عندما أضحت الردهة خاوية.
"ماذا تفعلين هنا؟"
قالت: "لقد أرسلني أبي".
فهم السيناتور . أمعن النظر في الحارسين النائمين، ثم تمعّن في لورا فارينا، التي كان جمالها الفائق يفوق ألمه، وهنا عرف أن الموت هو الذي اتخذ قراره نيابة عنه.
"ادخلي" قال لها.
وقفت لورا فارينا والدهشة تعتريها عند مدخل الغرفة: كانت آلاف من الأوراق النقدية تتطاير في الهواء، تخفق كالفراشات. لكن السيناتور أطفأ المروحة، فتوقفت عن السباحة في الهواء وأخذت تتهاوى وتتساقط فوق قطع الأثاث في الغرفة.
"كما ترين"، قال مبتسماً، " حتى الخراء يمكن أن يطير".
جلست لورا فارينا على المقعد المدرسي. كانت بشرتها ناعمة ومشدودة، وبلون النفط الخام وكثافته، وكان شعرها مثل عرف فرس صغيرة، وكانت عيناها الواسعتان تمنحان بريقاً أكثر لمعاناً من وهج الضوء. وتبع السيناتور مسار نظرتها ووجد أخيراً الوردة التي تلوثت بنترات البوتاسيوم.
قال: "إنها وردة".
"نعم" قالت وفي صوتها نبرة ارتباك. "لقد شاهدتها عندما كنت في ريوهاتشا".
جلس السيناتور على السرير العسكري، وراح يتحدث عن الورود فيما بدأ يفك أزرار قميصه. وعلى الجانب الذي كان يخيّل إليه أن قلبه موجود فيه داخل صدره، كان قد رُسم وشم في شكل قلب يخترقه سهم. ألقى القميص المبلل على الأرض وطلب من لورا فارينا أن تساعده في خلع حذائه الطويل.
جثت أمام السرير. لم يبعد السيناتور عينيه عنها وهو يتمعن فيها بدقّة، وفيما كانت تفكّ رباط حذائه، كان يتساءل من منهما سيكون سيء الحظ من لقائهما هذا.
قال: "إنك مجرد طفلة".
قالت: "قد لا تصدق. سأبلغ التاسعة عشرة من عمري في شهر نيسان القادم". أبدى السيناتور مزيداً من الاهتمام.
"في أيّ يوم؟"
قالت: "في اليوم الحادي عشر".
أحس السيناتور بأنه أصبح أفضل حالاً، ثم قال: " ننتمي كلانا إلى برج الحمل"، ثم أضاف مبتسماً:
"إنه برج العزلة".
لم تكن لورا فارينا تبدي اهتماماً بما كان يقوله لأنها لم تكن تعرف ماذا تفعل بالحذاء. أما السيناتور، فلم يكن يعرف ماذا يفعل بلورا فارينا، لأنه لم يكن قد اعتاد مثل علاقات الحبّ المفاجئة هذه، كما أنه كان يعرف أن أصل هذه العلاقة يعود إلى الذل والمهانة. ولكي يتاح له قليل من الوقت للتفكير، أمسك لورا فارينا بإحكام بين ركبتيه، وضمها حول خصرها، واستلقى على ظهره فوق السرير. ثم أدرك أنها كانت عارية تحت ثيابها، بعد أن انبعثت من جسدها رائحة قوية من عطر حيوان الغابة، لكن قلبها كان واجفاً، وكسا جلدها عرق جليدي.
"لا أحد يحبّنا"، قال متنهداً.
حاولت لورا فارينا أن تقول شيئاً، لكن لم يكن لديها من الهواء سوى قدر يكفيها كي تتنفس. جعلها تستلقي بجانبه ليساعدها، وأطفأ الضوء وأصبحت الغرفة في ظلّ الوردة. استسلمت إلى رحمة قدرها. وراح السيناتور يداعبها ببطء، يسعى إليها بيده، يلمسها لمساً خفيفاً، لكنه صادف شيئاً حديدياً يعوق طريقه في البقعة التي كان يسعى إليها.
"ماذا تضعين هناك؟"
قالت: "قفل".
"لماذا بحق السماء!" قال السيناتور غاضباً وسأل عن الشيء الذي يعرفه جيداً. "أين المفتاح؟"
تنفست لورا فارينا الصعداء.
أجابت: "إنه موجود عند أبي"، وأضافت: "لقد طلب مني أن أخبرك بأن ترسل أحداً من رجالك للحصول عليه، وأن ترسل معه وعداً خطياً بأنك ستحلّ مشكلته".
ازداد السيناتور توتراً. ودمدم ساخطاً: "يا له من ضفدع ابن زنى". ثم أغمض عينيه ليسترخي وألقى بنفسه في الظلام. تذكّر، تذكّر، سواء كنت أنت أو شخصاً آخر، فلن تمضي في هذه الحياة فترة طويلة وستموت حتى لن يبقى أحد يلهج باسمك.
انتظر حتى تلاشت القشعريرة التي اعترته.
سألها: "قولي لي شيئاً واحداً: ماذا سمعت عني؟"
"هل تريد أن أقول الحق؟"
"الحق".
قالت لورا فارينا: "حسناً، إنهم يقولون إنك أسوأ من الآخرين لأنك مختلف".
لم ينزعج السيناتور. لاذ بالصمت لفترة طويلة وهو مغمض العينين. وعندما فتحهما ثانية، بدا أنه أفاق من أكثر غرائزه المثيرة للخوف.
ثم قرّر: "أوه، بحقّ السماء، قولي لأبيك ابن العاهرة بأنني سأحلّ مشكلته".
"إذا أردت، يمكنني أن أذهب وأجلب المفتاح بنفسي"، قالت لورا فارينا، لكن السيناتور أوقفها.
قال: "انسِ أمر المفتاح، ونامي قليلاً معي. جميل أن يكون بصحبة المرء أحد عندما يكون وحيداً تماماً".
ثم وضعت رأسه على كتفها، وعيناها مثبتتان على الوردة. طوّق السيناتور خصرها بذراعيه، ودفن وجهه في إبطها الذي تفوح منه رائحة حيوان الغابة، واستسلم للرعب. وبعد ستة أشهر وأحد عشر يوماً مات وهو في تلك الوضعية ذاتها، مُحتقراً ومُهاناً بسبب الفضيحة التي شاعت بأنه كان مع لورا فارينا وكان يبكي بحرقة لأنه مات بدونها

azadooo

ذكر
عدد الرسائل : 15
العمر : 39
العمل/الترفيه : راعي
تاريخ التسجيل : 27/09/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الموت اقوى من الحب -- للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز - الجزء التاني Empty رد: الموت اقوى من الحب -- للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز - الجزء التاني

مُساهمة  azadooo السبت أكتوبر 11, 2008 5:15 pm

ارجووووووووووووووووووو انا تناااااال الاعجااااااااااب

azadooo

ذكر
عدد الرسائل : 15
العمر : 39
العمل/الترفيه : راعي
تاريخ التسجيل : 27/09/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى