مــنــتــدى روژهـــ(RojHat)ــات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية

اذهب الى الأسفل

ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية Empty ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية

مُساهمة  سرحدوو الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 6:55 pm

عجوز القصر




ولنترك الآن حديث ممو وتاج الدين لنعود إلى القصر ونعلم ما الذي كن من أمر ستي وزين ، فلقد رجعتا في تلك الليلة أدراجهما إلى القصر ، واستطاعتا دخوله دون أن ينتبه أحد إلى حقيقتيهما . ودون أن يرتاب أحد من الحجاب في أنهما من بعض الغلمان الحسان في القصر .
وما إن تجردت كل منهما من ذلك المظهر الذي تنكرتا فيه وجلستا تستريحان من النصب الذي لحقهما في ذلك اليوم حتى أخذت كل منهما تشعر بقلق واضطراب واضحين في نفسهما ، ولم تكن إحداهما تعرف شيئا عن سر ذلك القلق أكثر من أن له اتصالاً بتينك الجاريتين اللتين حدث لهما ذلك الشأن العجيب . فقد كان منظرهما ، وهما على تلك الحالة من الذهول وعلى وجهيهما تلك المسحة من الجمال المشوب بسما الوقار - ملازما لخلدهما . وكانت تتضافر على ذلك عدة عوامل ، بعضها غرابة ذلك الحادث الذي أصابهما ، وبعضها التطلع إلى معرفة حقيقتيهما ومن تكونان من الناس ، وبعضها ذلك الشعور الغريب الذي أخذ يساروهما نحو تينك الجاريتين المجهولتين من حنان وإعجاب بل وحب آخ في الزيادة والإشتداد رغم أنهما امرأتان مثلهما على ما تظنان وتحسبان .
وهكذا أخذ التفكير في الجاريتين يستولي تدريجيا على خيال كل منهما ، وبدأت تلك الأحاسيس تسيطر على قلبيهما ، فلم تكونا توجدان إلا مختليتين في بعض غرف القصر أو جهاته تتهامسان في هذا الشأن وتتبادلان إفضاء خلجاتهما النفسية حول ذلك .
غير أنه لم يستطع أحد من سكان القصر رغم ذلك ملاحظة حالهما تلك سوى مربية عجوز لهما يقال لها ( هيلانة ) . كانت هرمة مسنة ، غير أنها أقوى من الدهر في مكره ، وكانت متغضنة الملامح باهتة الشكل إلا أن ذكائها كان فتيا يلتهب . فقد أخذت هذه العجوز تلاحظ أن حالة طارئة تطوف بهما منذ اليوم الذي خرج فيه الناس إلى مهرجان نوروز ، ومضت تراقب فيهما تطورات تلك الحالة التي لك تلبث أن اتخذت مظهرهما في كثير من أوضاعهما وأحوالهما !
وفي صبح ذات اليوم استأذنت عليهما فوجدتهما مطرقتين ذاهلتين ، وقد أخذ التفكير منهما كل مأخذ ، وتجلت مظاهر الحيرة والأسى على وجه كل منهما ، فدنت إليهما ، وجثت على مقربة منهما ، ثم قال :
’’
بروحي يا أميرتيَّ الصغيريتين فديتكما ، وجعلت الله ربي حافظا لكما ، فأنتما انسان كل عين ، وحبة الشوق لكل فؤاد . يخيل إلي أن هذا القصر قد كمد بعض بريقه وتوارى من أنحائه الكثير من أنسه منذ اليوم الذي خرجتما فيه لمهرجان الربيع ثم عدتما بما تحملان من هذا الإطراق والتفكير والذبول .!! فهل لي أن أسأل عن السر الذي طواه مقدمكما ، أو عن الخمرة التي تسببت كل هذا في ذهولكما ؟ فقد أستطيع معونتكما في شيء إذا كان مستعصيا ، أو استخدام تدبيري وسحري إن كان خافياً ‘‘.
فنظرت كل من ستي وزين الواحدة منهما إلى الأخرى ، كأنما تتشاوران في إفضاء الأمر إليه . ثم قال إحداهما :
’’
إن كل ما حدث لنا أننا أصبنا - على ما يبدو - منذ ذلك اليوم بضيق وكرب لا ندري لهما سببا ، ويبدو أن شيئا بسيطا من أثر ذلك لا يزال يساورنا .. ‘‘
فأدركت هيلانة أنهما تحاولان كتم الأمر عنها . ودعاها ذلك الإدراك إلى ظن أن يكون الأمر حبا أو غراما انعقدت نواته لديهما في ذلك اليوم . إذ كثيرا ما يحدث فيه أن يتصادف الشباب والفتيات وتتبادل الألحاظ مظاهر الفتنة والجمال ، ويحصل التعارف والتعلق ... فدنت منهما ، ثم أخذت تقول لهما :
’’
يبدو أنكما يا أميرتيَّ لا تعلمان بعد مبلغ ما آتاكما الله من سحر وجمال ، وأنكما تجلسان منه على عرش عز على الدنيا كلها أن تجد لكما فيه نظيرا ، وإلا لأدركتما أن كل جمال في هذه الجزيرة خاشع منحن أمامكما حتى تثيرا الحيرة من أجله وتذكيا نار القلب من ورائه ؟ وهلا أخبرتماني عنه حتى تعرفا كيف يأتي أسيرا في قيود الهوى ، ذليلا تحت سلطان هذا السحر ؟!! ‘‘ .
فأجابتها ستي :
’’
ليس هذا الذي تظنين أيتها الخالة هو السبب في حيرتنا ... إنما السبب في ذلك شيء آخر ... كنا نود أن نستطيع إيضاحه والإبانة عنه حتى تعالجيه لنا بدهائك وتدبريك . ولكنه لغز ... لغز مقفل من كل جوانبه لا نفهم شيئا عنه . كل ما نستطيع بيانه هو أن نقول لك القصة التي جرت ... والأمر الذي رأيناه ...‘‘
وهنا تبسطت العجوز في جلستها ، ومدت وجهها نحو ستي بعد أن أسندت أسفله إلى كفها قائلة :
’’
حدثيني يا ابنتي عن القصة .. فلا بد لي إن شاء الله من كشف سرها وحل لغزها ..‘‘
ومضت تحدثها ستي القصة قائلة :
’’
بينما كنا نمشي في ذلك اليوم ... يوم الربيع بين المروج والرياض ، إذ فاجأتنا غادتين لم نر مثلهما لطفا وجمالا تقبلان نحونا في لهفة بادية وبخط متعثرة . حتى إذ أصبحتا على مقربة منا إذا بعاصف من الذهول الشديد يعصف بهما ويطرحهما في جانب من تلك الارض ... ودنونا إليهما لننظر في شكليهما ونستكشف شخصيهما ، ولكننا لم نستطع أن نفهم عنهما شيئا ، فقد كانتا تبدوان غريبتين في زيهما وملامحهما .
ووقفنا فترة أمام منظرهما وهما في تلك الغيبوبة وقد سرى تأثير شديد منه إلى نفس كل منا ، وشعرنا بروحين سرعان ما طافتا حول قلبينا ثم استقرتا في سويدائه ... فإذا بهما يخفقان بمعان كثيرة من بعضها الحنان والحب .
كانتا تبدوان أيتها الخالة كأبدع كآسين صافيين ، وإن كنا نحن الخمر التي تترقرق فيهما ، بل كانتا كأجمل مصباحين مضيئين وإن كنا نحن النور المتوقد من ذبالتهما . بل كانت في شكل أزهى مرآتين وضيئتين ، وإن كنا نحن الشمسين اللتين تشعان منهما .

سرحدوو
سرحدوو
المدير
المدير

ذكر
عدد الرسائل : 129
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالب
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

http://www.kurdd.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية Empty رد: ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية

مُساهمة  سرحدوو الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 6:56 pm



ثم تركناهما أيتها الخالة على تلك الحالة ومضينا ... دون أن نعلم ما الذي تم بشأنهما . بل لم ندر أكان ذلك حقيقة أم رأته أعيننا ، أم حلما من أحلام تلك الطبيعة صورتها لنا خمرها ؟!! ‘‘.
فأطرقت العجوز برأسها تحملق في الأرض وقد أدهشها ما سمعت ، ثم نظرت إليهما وقالت :
’’
بل أظن يا أميريتي الصغيرة أن ذلك كما قلت حلما من أحلام الطبيعة .. أما أنه كان حقيقة رأتها عيناكما ، وأما أنه يقينا قد تعلق قلباكما من كل ذلك الجمع الحاشد من الشباب والفتيان بتينك الجاريتين المجهولتين . فذلك أمر مستحيل أو لعله واقع كما تقولين ، ولكنكما تمنيتما مثل تينك الجاريتين أطفالا لكما . لا أنكما شغفتما بهما حبا من دون الرجال .
من الذي - يا بنيتي - يصدق أن المرأة يتم جمالها إلا إذا كان الرجل هو مرآة ذلك الجمال ، ومن الذي يصدق أن الرجل يمكن أن يكون لجماله معنى لو لم تأت المرأة لتضع فيه ذلك المعنى ؟ وهل أثبت جمال ليلى وفتنة حسنها لو لم ينعكس إليها تاج ’’ خاسرو ‘‘ وسلطانه !! وهل سمع أحد في الناس أن زهرة قد افتتنت بالزهر أو أن بلبلا غنى فوق أعشاش البلابل ؟؟!
لا يا أميرتيَّ الفاتنتين ، ليس هذا الذي تقولانه إلا وهما من الخيال أو حلما من الأحلام . فلا تدعا للوهم والأحلام مجالا إلى قلبيكما ...‘‘.
فابتدرتها زين قائلة :
’’
ولكنك قلت لنا أن لديك من التدبير والعزائم والدهاء ما تستطيعين الكشف به عن كل لغز وخافية . فهلا استعملت شيئا من ذلك في حل هذا اللغز .. أم يبدو أن عزائمك قد خرفت وتقدم بها السن ، فلم تعد تصلح لشيء .
أما أن حديثنا هذا خيال أو وهم فليس كذلك ، وما هو والله إلا الحقيقة التي شاهدناهما بأعيننا ، ولقد دخل حب تينك الجاريتين في قرارة قلب كل منا . وسواء أكانتا في الحقيقة ملكين أو شيطانين أو امرأتين ، فإن عندنا منهما هذا البرهان الذي يؤكد أن ما رأيناه حقيقة لا خيال ، وهو هذان الخاتمان اللذان سللناهما حينذاك من إصبعيهما ليكونا عونا لنا في البحث عنهما ‘‘ .
وعمدت إلى الخاتمين فألقت بهما إليها .
فتلقفتهما العجوز ، ومضت تحملق فيهما وتقلبهما وتمعن في شكليهما ، ثم هزت رأسها وقال :
’’
أما الآن فأستطيع أن أفهم شيئا مما تقولان ، وأستطيع أن أقول لكما إني عثرت على خيوط هذا السر الذي لا بد لي من كشف قناعه . ولكن لا بد لذلك لي من مهلة ، ولا بد أيضا من بقاء هذين الخاتمين لدي ‘‘..
فأجابتاها إلى ذلك بشرط أن تحافظ عليهما محافظة شديدة ، وأن تكتم الموضوع كتمانا تاما عن كل واحد .
ثم إنها قامت عن مجلسهما بعد أن نفحتاها قسطا كبيرا من المال ، ووعدتاها بالمزيد عند نجاحها في المهمة .

وإن هو إلا أمد قصير حتى كانت العجوز قد أوصلت نفسها إلى شيخ هرم في بعض أجزاء الجزيرة أمضى حياته كلها في علوم الحرف وحسابه ، حيث نقدته دينارا ، ثم جلست إليه تقول :
’’
لي طفلان يتيمان أيها الشيخ هما سائر ما بقي لي من أمل في الحياة خرجا مع هؤلاء الناس - بحكم طفولتهما - إلى الفلاة في يوم عيد الربيع وهما بكامل وضعهما الطبيعي وعلى أحسن ما يكونان رشدا وعقلا ، فلما جاء المساء عادا إلى البيت وقد تشعثت هيأتهما ، وتمزق لباسهما ، ذاهلين لا يملكان وعيا ولا إحساسا ، مشدوهين كأنما قد أصيبتا بمس في عقليهما . وهما - أيها الشيخ - إلى هذه الساعة على هذا الوضع الغريب الذي لم أفهم له تأويلا .
ولقد جئتك بخاتمين لهما ، لم ألمحهما في يديهما إلا منذ ذلك اليوم - ويخيل إليَّ أن فيهما سر الخمرة التي أودت بعقليهما إلى هذا الذهول - لكل تستعين بهما في استخدام طاقتك لاكتشاف حال هذين الطفلين وبيان حقيقة هذا البلاء المتشبث بهما ، أهو صرع وجنون .. أم خمر هو وعشق .. أم هو ماذا ؟؟!!
ذلك رمز ألقيته إليك أيها الشيخ فافهمه . وهناك سر دفين في هذين الخاتمين فاعلمه . وحسبك أن ترشدني إلى صاحبيهما ، وتنبئني أهما ملكان يجوبان السماء ، أم شيطانان تحت الطوايا السبع ، أم بشران مثلنا فوق أديم الأرض ؟! ‘‘ .
فأخذ الشيخ الخاتمين ، ثم أكب على دفاتره وحسابه ... وأخذ ينهمك مرة في الحساب والترقيم ، ومرة في الإطراق والتفكير .
وبعد قليل رفع رأسه إلى العجوز ، وأخذ ينظر إليها بعينين ذاويتين قد تغضن ما حولهما قائلا :
’’
أو لا بد من كل هذا الكذب والتزوير أيتها الماكرة العجوز ..؟
تقولين طفلاك اليتيمان .. فهلا صدقت وقلت الدرتان اليتيمتان والغادتان النادرتان ؟ وتقولين صرع .. ومس .. وجنون .. فهلا أوضحت الحقيقة التي هي مس الروح للروح ، وتعلق قلب بآخر ؟
أما هذان الخاتمان ، فليس صاحباهما ملكين في السماء ولا شيطانين من الجن ، ولكنهما شابان معذبان ضاع قلباهما منذ ذلك اليوم المشهود وراء هاتين الغادتين اللتين تقولين عنهما ، طفلاك .‘‘.
فهز رأسه مطأطئا وهو يقول : ’’ من غير شك .‘‘ .
وهنا دنت إليه العجوز وقالت :
’’
ولكني كنت أود أن أعرف من أي الناس هما ؟ وكيف العثور عليهما ؟ ألا قل لي أيها الشيخ وأوضح ، فإن لك عندي فوق ما تريد إن أنت كشفت الستار عنهما ، أو أرشدتني إلى جهتهما ومكانهما .‘‘.
فقال لها : ’’ أما هذا فليس لي إلى فهمه سبيل ، وكل ما وراء الذي أخبرتك عنه لا يمكن الخوض في شيء منه إلا بالحدس والتخمين . غير أني أستطيع إرشادك إلى حيلة قد تنفذين منها إلى معرفتهما والإجتماع بهما ، وهي أن تنطلقي في شكل طبيبة ماهرة فتطوفي بمختلف أنحاء هذه الجزيرة وبيوتها ، وتلفتي الأنظار بلباقة وبراعة ، إلى أنك ذات خبرة ودراية بمختلف الأمراض النفسية والجسمية ، وأن لديك الوسائل المختلفة لمعالجة مثل هذه الأمراض وماواتها . فلا ريب أن هذين الشابين معذبين اليوم ولا ريب أنهما إذ يسمعان بأمرك يستدعيانك لشأنهما ومعالجة أمرهما . ‘‘.
فأعجبت العجوز بهذا الرأي . ثم أعطته دينارا آخر ، وشكرته وانصرفت .



سرحدوو
سرحدوو
المدير
المدير

ذكر
عدد الرسائل : 129
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالب
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

http://www.kurdd.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية Empty رد: ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية

مُساهمة  سرحدوو الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 7:06 pm

الطبيبة السائحة

لم تعد العجوز هيلانة - بعد مغادرتها لذلك الشيخ - إلى القصر ، وإنما بادرت في إعداد العدة وتهيئة الوسائل لكي تصبح طبيبة . وبعد حين أصبحت ذات منظر جديد وشكل غريب ... حيث ارتدت فوق ثيابها رداء سابغا فضفاضا قد شق من أمامه فبدا من تحته ما علقته على كل من جنبيها من الحقائب التي ملأت بعضها بزجاجات وعقاقير . .. وحشت بعضها الآخر مباضع وهنات مختلفة من كل ما يحتاج إليه الطبيب الماهر .. ثم استوت على ظهرها وانطلقت تطوف بالأحياء ، وتؤم المجالس والبيوت ، تتسمع خبر أي مريض مطروح أو متألم موجوع ، لكي تأخذ طريقها إليه متبرعة بمعالجته ومواساته .
وهكذا بدأت توحي إلى الناس بأمكر أسلوب مبلغ ما اوتيته من براعة في فن الطب بمختلف أنواعه...
ولم تمض سوى برهة حتى كان اسمها قد انتشر في كثير من أنحاء الجزيرة ، وتسامع الناس بأن عجوزا سائحة قد وصلت إلى الجزيرة ، تعالج أنواع الامراض والأدواء المختلفة بمهارة فائقة . وكان ممو وتاج الدين إذ ذاك قد سائت بهما الحال أكثر من الأول وأصبح كل منهما نهبا لأفكار وآلام متواصلة مما لفت إليهما أنظار ذويهما بل معظم أصحابهما ولكن دون أن يعلم أحد بحقيقة الأمر أو يدرك شيئا مما حدث لهما .
ولم يكن - في الواقع - منشأ تلك الآلام والأفكار واحداً بالنظر اليهما ، بل كان مختلفا إلى حد بعيد . أما ممو فقد كان السبب في ذلك زيادة تعلقه وتفاقم وجده .. فلم يكن يقر له قرارا أو يلين لجنبه مضجعا منذ عرف أن التي ضاع عندها رشده إنما هي أميرة الجزيرة .. ومنذ أخذ يفكر كيف أن تلك الغادة الحسناء رأفت بقلبه ورقت لحاله ، فتركت خاتما الدري في يده لكي ينوب إشراقه عن ابتسامتها عندما يغيب طيفها عنه ، ولكي يقوم مقامها في مواساته إذا تلظى منه القلب . كان ذلك التفكير يستحيل نارا تتقد في أحشائه وتسعر كل مشاعره وأحساسيه ، وكانت تزداد ثورة هذه الآلام في نفسه حينما يقعد ليفكر في شخصه وفي مركزه البسيط الذي لا يجعله اهلا لأن يتقدر إلى الأمير زين الدين لخطبة أخته . بل لا يعقل من الأمير أن يقبل مثله صهرا له من بين مختلف أفراد حاشيته ووزرائه . فكان ذلك يزيد في آلامه مرارة اليأس , ويسلمه إلى زفرات طويلة تكاد تشق صدره .
أما تاج الدين فعلى الرغم من أنه أيضا كان متعلق القلب بصاحبة الخاتم الذي في يده ومنصرفا بمشاعره نحوها إنصرافا تاما ، إلا أنه لم يكن يقاسي في ذلك مثل آلام ممو وثوراته النفسية . ويبدو أن السبب في ذلك هو أنه كان ذا أمل قوي في الوصول إليها ، ولم يكن يخامره شك في أن الأمير لن يتردد في قبوله صهرا له .. فهو ابن وزير الديوان ، وهو أحد أشقاء ثلاثتهم عمدة الأمير في كثير من الظروف والاحوال ، والأمير نفسه يدرك أن مصلحته تقضي بإكرامهم وتقريبهم منه .
ولكن تاج الدين كان يعاني أفكارا أخرى تؤلمه وترهق مشاعره إرهاقا شديدا ، ولا يهتدي إلى مخلص منها ! فقد كان ممو كما قلنا صفيه الوحيد من دون الناس كلهم ، وكان ينزله من قلبه منزله شقيقه .. بل أسمى من ذلك وأعظم .. ولم يكن يخفى عليه ما يقاسيه من وجد وتحرق ..فكان يقعد ليفكر في أن مركزه كسكرتير للديوان لا يؤهله لأن يتقدم إلى الأمير بطلب يد أخته منه ، ولكن لا يعقل أيضا أن يمضي هو متنعما بمراده تاركا خليله الوحيد وراء ظهره يتقلب في ناره . فكيف التدبير وما العمل ؟! .. أيضحي بقلبه وسعادته من أجل صديقه ممو ويظل إلى جانبه يواسيه ويقاسمه ضره ؟ أم يبحث عن سبيل لإمكان وصولهما معا إلى أمنيتهما المنشودتين ؟ ولكن كيف العثور على هذا السبيل الخفي الشائك ؟؟!! ..
وهكذا أضحى كلا الخليلين مظهرا للقلق والتفكير الدائم مما جعلهما محورا لتفكير الاهل والأقربين ، والحيرة في شأنهما .
وذات أمسية ، وبينما كان ممو و تاج الدين جالسين في ركن من قاعدة الضيافة التابعة لدار تاج الدين وشقيقه مع زمرة من الأهل والأصحاب يتسامرون ، مرت من أمامهم الطبيبة العجوز وألقت التحية عليهم ، وكانو قد سمعوا باسمها وتذاكر معظمهم في استدعائها لعرض حالة ممو وتاج الدين عليها ، فردوا عليها التحية وطلبوا إليها الجلوس معهم بعض الوقت . وبعد أن استقر بها المجلس سألها عارف قائلا : ’’ من أين أنتي ايتها الخالة وما شأنك ؟‘‘ .
- ’’
أما أنا فمن قرية صغيرة تقع وراء لك الجبل وتبعد عنه قليلا ، وأما شأني طبيبة أسيح في أنحاء البلاد لإغاثة المرضى ومعالجة شوؤنهم ..‘‘.
- ’’
وما هي الأمراض التي تعالجينها ؟؟ ‘‘ .
- ’’
الواقع أنني اشتهرت في المهارة في معالجة الأمراض النفسية والروحية فقط .. غير أني استطيع بحكم مراني الطويل معالجة غير ذلك أيضا من الأمراض البدنية ..‘‘.
وهنا فاجأها تاج الدين من ركن بعيد في المجلس قائلا :
- ’’
مذا تعرفين من الأمراض الروحية ايتها الطبيبة ؟؟ ‘‘ .
فالتفتت العجوز صوبه واخذت تلحظه بعينيها الضعيفتين حينما كأنما تريد أن تعرف من هو هذا الذي يسأل عن الروح وأمراضها .
ثم قالت له وقد خالها شك في أن يكون هذا أحد اللذين تبحث عنها :
-’’
أعرف يا ابني من هذه الأمراض أنواع كثيرة ، كنت قد عالجتها في كثير من الناس ، فهل تشكو - لا سمح الله - شيئا منها ‘‘.
وقبل أن يجيبها تاج الدين بادرها ممو قائلا :
-’’
ما هو أشد أنواع هذه الأمراض أيتها الخالة ؟؟ وهل لكي أن تصفيه لنا وتحدثينا عنه ؟ ‘‘.
فنظرت اليه وقد قوي شكها وغلب على ظنها أنها أمام ضالتيها المنشودتين . ثم تنهدت بعمق وقالت له :
’’
أشد أنواع هذا المرض يا بني ، نوع - لا أذاقك الله إياه - يسري من الألحاظ . ويسلك طريقه في الألحظ .. ثم يتخذ مستقره في القلوب . هو في أول أمره رعدة في المشاعر ، ودقات بين ألواح الصدر ، وتلون على ملامح الوجه . فإذا نمى وترعرع فهو برق يستعر وميضه في الأحشاء ،
سرحدوو
سرحدوو
المدير
المدير

ذكر
عدد الرسائل : 129
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالب
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

http://www.kurdd.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية Empty رد: ملحمة ممو وزين ................... الحلقة التانية

مُساهمة  سرحدوو الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 7:11 pm



تتلظى الجوانح بناره من غير لهب ، ويشوى الفوائد في وهجه من غير جمر . ثم إذا استقر وتمكن فهو نهش وفتك لسويداء القلب ، يجرحه بلا مبضع ، وينزعه من غير سنان . فهناك يشخب دمه منهمرا من العينين ، ويذوب الجسم بين بوتقة الحشا وزفرات الصدر . وهناك لا يغني الطبيب ولا عقاقيره ولا يجدي سوى أن تتضامن الروح وتتطأ النار ببرد الوصال ‘‘ .
وسكتت العجوز هنا .. فقد لاحظت نشيجا قويا بدا يتعالى من صدر ممو الذي لم يعد يملك دموعه ، واصفرارا شديدا تلطع به وجه تاج الدين الذي أطرق ذاهلا ، واتفتت إلى بقية الجالسين وقد خشعت ملامحهم ، وداخلتهم رقة شديدة من أجل ذينك المسكينين الذين لم تعد تشك في أنهما ضحيتا الأميرتين في اليوم التاريخي الفائت .
ثم أنها قامت من مكانها تؤم الركن الذي كانا يقبعان فيه وربتت على كتفيهما قائلة :
’’
لا بد أنكما يا ولدي تعانيان مجهودا أو ألما من هذا النوع ، ولكن لاضيرعليكما ، فإن دوائكما عندي ‘‘.
ثم توجهت إلى بقية الحاضرين وقالت :
-’’
لا بد لي من تشخيص أمر هذين الشابين ، ولابد أن يكون ذلك على خلوة معهما ، فهل أستطيع أن التمس منكم الموافقه على ذلك !! ‘‘ .
وبعد قليل .. كانت الغرفة قد أصبحت خاليه إلا من المريضين .. وطبيبتهما التي أخذت تسرح فيهما وتقلبه لتجد شابين رائعين لم يتخطيا ربيع العمر ، تبدو على مخايل كل منهما معاني العز والمجد ، إلى جانب ما يظهر في شكليهما من سيما الروعة والجمال ، على الرغم مما اصطبغت به ملامحما من مظهر الكآبة والإنكسار .
وبعد أن مضت تواسيهما مستدرجة لهما في الحديث عن شأنهما وقصتهما إلى أن فهمت كل شيء ، فابتسمت قائلة :
’’
ليطب خاطركما يا ولدي ولتقرعيناكما فما أنا والله إلا رسولا من أميرتي بوطان إليكما لأسري عنكما وأواسي جرحكما ، وها هو ذا خاتم كل منكما ...
ولم تكد العجوز تنطق بهذه الكلمات وتمد يدها لتريهما الخاتمين حتى دار بكل منهما فضاء ، وغشيتهما موجة شديدة من الذهول لم يستطيع ممو أن يثبت بأعصابه أمامها فهو كطفل صغير يقبل إلى أحضان العجوز يقبل أذيالها ويتشبث بأطرافها دون أن يملك رشدا . بينما ظل تاج الدين فترة من الوقت مشدوها يحملق في العجوز دون أن يستطيع نطقا أو يملك حراكا ..
أما العجوز .. فما إن أبصرت منظرهما ذاك ، وما آلت إليه حالهما ، حتى داخلتها رقة شديدة من أجلهما ، وفاض قلبها حنانا لهما ورحمة ، فأخذت بيمين كل منهما قائلة :
’’
لا داعي إلى كل هذا الهم والغم يا ولدي ... فوحق الله المعبود لم أدعكما ما حفلني التوفيق حتى أبلغ بكل منكما إلى أمنيته وهواه .. ولن يطيب لي الموت إلا بعد أن أراكم أنتم الأربعة ... وقد جمعكم الشمل وأظلكم نعيم الوصال وما على كل منكما الآن - لكي أستطيع الشروع بالمهمة منذ الساعة - إلا أن يخبرني عن اسمه ويطلعني على شأنه ومركزه في هذه الجزيرة . كما وأرجو وقد اتيتكما بخاتميكما أن تسلماني هذين الخاتمين لأعود بهما إلى صاحبتيهما تجنبا لإفتضاح الأمر .. ولن تطول غيبتي عنكما ، بل لا بد أن أعود إليكما قريبا بالجواب .
فتهللت أسارير تاج الدين ، وقام فأعطاها خاتم ستي الذي كان معه بعد أن عرفها باسمه وشأنه ، أما ممو فإنه أطرق قليلا ثم قال للعجوز :
’’
لعلكي يا سيدتي تعذرينني إذا قلت بأنه ليس بوسعي إعطاء هذا الذي تريدين .. ولعلكي تصدقينني إذا حلفت لكي بأن هذا الخاتم الذي عندي هو اليوم بقية روحي التي تخفق بين جنبي ! ومن ذا يستطيع أن يعمد إلى روحه فينتزعها ؟! ... لا يا سيدتي ... إنني أتشفع إليك بناري التي تذيب أحشائي ، وأتوسل إليك باسم ( زين ) أن تتركيها في هذه البقية من الرمق ، وتدعي هذا الخاتم في يدي ...‘‘.
وسكت قليلا كأنما يغالب آلاما تثور في نفسه . ثم مضى في حديثة يقول :
’’
والآن دعيني يا أماه .. وأنتي رسول قلبي الضائع ... أبثك رسالة نفسي إلى ربة هذا القلب : قولي لها أنه مسكين من الناس ... لا يبلغ أن يكون كفؤا لذوي الإمرة والسلطان . غير أن سهام الحب طائشة .. لم تكن تفرق يوما ما بين فؤاد مسكين وأمير ، وهو اليوم لا يتطاول إلى مركز ليس أهلا له ، ولكنه يتطلع إلى عطف من شأن الامراء أن يشملو به عامة الناس ، وحسبه من هذا العطف أن تخطريه على بالك بين وقت وآخر .. وأن تسالي عن حاله ولواعجه بين الفينة والأخرى ‘‘...
فتأثرت العجوز من لهجة كلامه ، ولم تجد بدا من أن ترحمه فتدع الخاتم في يده . وبعد أن حاولت مواساتهما فترة من الوقت قامت فودعتهما .. ووعدتهما في العودة بأقرب حين .



سرحدوو
سرحدوو
المدير
المدير

ذكر
عدد الرسائل : 129
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالب
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

http://www.kurdd.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى